نواكشوط تتجمّل.. أم تتورّط؟

صالونات التجميل تنتشر كالنار في الهشيم وسط تحذيرات شرعية وصحية

(نواكشوط – موقع الجنوبية) في العاصمة الموريتانية نواكشوط، لا يحتاج المارّ في شوارعها إلى كثير من التمعن ليلاحظ الطفرة اللافتة في عدد صالونات التجميل النسائية. من تفرغ زينه إلى عرفات، ومن حي الرِّياض إلى السبخة، تحوّلت هذه المحلات إلى جزء ثابت من المشهد العمراني والاجتماعي، يرتادها مئات النساء يوميًا طلبًا لـ”إطلالة مميزة” أو “نضارة عصرية”.

وفيما يبدو السوق مزدهرًا، والإقبال متصاعدًا، تتعالى في المقابل أصوات فقهية وطبية محذّرة من إفراط غير محسوب في عالم الزينة، الذي قد يتحول من ترف جمالي مشروع، إلى بوابة تبرج مرفوض، أو تهديد صحي صامت.

سوق يزدهر… وضوابط تغيب

تشير تقديرات غير رسمية إلى وجود المئات من صالونات التجميل في نواكشوط، بعضها مرخص والبعض الآخر يعمل خارج أطر الرقابة.

وتقول “أم الخير”، عاملة في أحد صالونات العاصمة:
“الإقبال كبير، خصوصًا في الأعراس والمناسبات. الزبونات أصبحن أكثر جرأة في طلباتهن: ألوان فاقعة، حواجب مرسومة، وحتى تفتيح للبشرة”.

هذا الإقبال الواسع، يعكس تحولًا ثقافيًا عميقًا في مفهوم الزينة لدى فئات واسعة من النساء، وسط ضعف التوجيه الديني والرقابة المهنية.

زينة مشروعة أم تبرج مذموم؟

في بلد يُعرف بمرجعيته الإسلامية، يثير هذا الانفجار في خدمات التجميل تساؤلات شرعية عميقة.

ويقول الشيخ الفقيه: محمد محمود :

“الزينة في أصلها مشروعة، لكن بشرط ألا تكون للتباهي أو الفتنة. التبرج المحرّم – أي إظهار الزينة لغير المحارم – من كبائر الذنوب، وهو من مظاهر الجاهلية”.

ويحذر من تحول الزينة إلى وسيلة للاستعراض على وسائل التواصل، أو وسيلة لتقليد أنماط دخيلة لا تعبّر عن هوية المجتمع.

 

خطر تحت الجلد: مواد مشبوهة وعشوائية

القلق لا يقف عند حدود الشرع، بل يمتد إلى المخاطر الصحية الناتجة عن استخدام مواد تجميل مجهولة المصدر.

ويؤكد الدكتور عبد الله أخصائي الأمراض الجلدية:
“نُعالج أسبوعيًا حالات حساسية أو حروق أو التهابات ناتجة عن مواد تفتيح وتقشير ضارة. كثير من الصالونات تبيع هذه المنتجات مباشرة دون إشراف طبي”.

كما أشار إلى أن غياب التعقيم واستخدام الأدوات بشكل جماعي قد يسبب نقل أمراض جلدية وفيروسية خطيرة.

بين ضغط العصر ونداء الضمير

تقول فاطمة، طالبة جامعية:

“أنا أحب الاهتمام بمظهري، لكن ضد المبالغة. هناك فرق بين التجمّل والابتذال”.

ويجمع مراقبون على أن المرأة الموريتانية تعيش تحديًا صعبًا بين رغبتها في مواكبة العصر، وحاجتها للحفاظ على هويتها وثقافتها وقيمها.

دعوات للتقنين والتوعية

في ظل غياب الرقابة الجادة، يطالب نشطاء بـ:

– تنظيم قطاع التجميل قانونيًا، وفرض التراخيص على المحلات.

– تأهيل العاملات وتكوينهن صحيًا وأخلاقيًا.

– منع تداول المنتجات غير المرخصة.

– توجيه النساء – خاصة الشابات – إلى الزينة المنضبطة داخل الحدود الشرعية.

إن الزينة حق مشروع واحتياج فطري، لكن عندما تفقد بوصلتها الأخلاقية والدينية، تتحول إلى باب من أبواب الضرر.

وفي نواكشوط، حيث المرايا تملأ الأرصفة والبريق يسطع في كل زاوية، يبقى السؤال الحاسم: لمن نتجمّل؟ وبأي كلفة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى