غيث وأبو إسماعيل.. من وراء أكمة التفاهة؟

إعداد: موقع الجنوبية

لا يمر يوم في منصات التواصل الاجتماعي إلا وتطفو إلى السطح أسماء وهمية أو مستعارة، لتثير زوابع نقاش لا تخلو من المبالغة والضجيج. من بين هذه الأسماء برز “غيث” و”أبو إسماعيل “، شخصيتان تبدوان في ظاهر الأمر عابرتين، لكن سرعان ما تحوّلتا إلى أيقونات جدل، وأدوات جذب جماهيري. السؤال الذي يفرض نفسه: هل هما مجرد أفراد يبحثون عن لفت الانتباه، أم أن وراءهما ماكينة خفية تحرّك خيوط لعبة أكبر عنوانها: صناعة التفاهة؟

الظاهرة: صناعة رموز من فراغ

في عالم باتت فيه “الترندات” أهم من الحقائق، يظهر “غيث” و”أبو إسماعيل ” كرمزين لمرحلة يطغى فيها الفراغ على المضمون. يروَّج لهما عبر مقاطع قصيرة، رسائل غامضة، أو مواقف مثيرة، تُقدَّم على أنها بطولات إنسانية أو مواقف أخلاقية. لكن عند التدقيق، يتضح أن معظم ما يُنشر لا يتجاوز كونه محتوى مُعاد التدوير، أو قصصًا تفتقر إلى دليل. هنا تبرز المفارقة: كيف لشخصيات مجهولة الهوية أن تحتل صدارة النقاش العام، بينما يُهمَّش أصحاب الرأي والفكر والمعرفة؟

أدوات التضخيم: خوارزميات تحت الطلب

التضخيم لم يأتِ من فراغ. تقارير غير معلنة تتحدث عن حسابات ممولة تُعيد تدوير منشورات “غيث” و”أبو إسماعيل ” آلاف المرات في ساعات قليلة. المشهد أشبه بآلة ضخمة تتغذى على عاطفة المتابعين، فتصنع موجة افتراضية توهم الناس أن هناك قضية تستحق المتابعة.

-العاطفة كسلاح: تُطرح قصص مثيرة للشفقة أو مثقلة بالغموض لشد الانتباه.

-المال وقود الانتشار: شركات تسويق رقمية تستثمر في هذه الشخصيات لبيع منتجات أو تمرير رسائل إعلانية.

الخوارزميات كقاضٍ أعمى: المحتوى الأكثر تداولًا يعلو على غيره، بغض النظر عن قيمته.

من المستفيد؟ لعبة أبعد من الترفيه

الجدل الحقيقي ليس حول “غيث” و”أبو إسماعيل ” كشخصيتين، بل حول الجهات التي تصنع وتستثمر في بقائهما على الواجهة. فالترويج للتفاهة لم يعد مجرد تسلية، بل تحول إلى صناعة ذات أبعاد:

• تشتيت الانتباه: إشغال الرأي العام بقصص سطحية لصرف النظر عن قضايا جوهرية.

• تسويق الاستهلاك: خلق نماذج سلوكية تُوجّه الجمهور نحو ثقافة استهلاك لا تفكير، وتستهدف بالأساس الأجيال الشابة .

• تطويع الخيال الجمعي: إقناع الناس بأن “النجومية” لا تتطلب جهدًا ولا معرفة، بل مجرد حضور ضاجّ.

شكاوى قضائية لا توقف الموجة

في هذا السياق، لم يغب البُعد القانوني عن المشهد. فقد سعت شخصيات متضررة من أسلوب “غيث” إلى رفع شكاوى ضده أمام المحكمة، متهمةً إياه بالتشهير أو استغلال النفوذ الإعلامي. غير أن هذه المساعي، رغم رسميتها، لم تُفلح في كبح حضوره المتنامي. المفارقة أن الضجة الإعلامية حوله طغت حتى على أحداث كبرى، مثل مهرجان لعيون المنعقد حاليًا، حيث خطف “غيث” الأضواء من منصات ثقافية وفنية كان يُفترض أن تستحوذ على الاهتمام.

أثر الظاهرة: وعي مشوش وأولويات مغلوطة

تأثير هذه الشخصيات لا يقتصر على لحظة الترفيه، بل يتعداها إلى تشكيل الوعي الجمعي. فالتكرار يخلق قناعة، ومع الوقت تصبح التفاهة أمرًا طبيعيًا:

• الذوق العام يتراجع أمام سطوة المحتوى السطحي.

• النقاشات المجتمعية تُختزل في قضايا زائفة.

الشباب يُعاد توجيههم نحو الاهتمام بما لا ينفع، بينما يتم تهميش التفكير النقدي.

ما وراء الأكمة

الأسئلة لا تزال مفتوحة: هل “غيث” و”أبو إسماعيل ” مجرد لاعبين صغار في لعبة أكبر، أم واجهات لجهات تستثمر في تفريغ الفضاء الرقمي من محتواه الحقيقي؟ من الواضح أن “أكمة التفاهة” ليست عفوية، بل تقف وراءها استراتيجيات متقنة لإعادة تشكيل أولويات الناس. والكرة تبقى في ملعب المتلقي: إما أن يستسلم للسيل، أو أن يواجه هذه الظاهرة بالوعي النقدي والمساءلة.

#موقع_الجنوبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى