إعدادية الرياض”4″..صرح تربوي يحتضر

في قلب حيّ الرياض المكتظ جنوب العاصمة نواكشوط، تقف إعدادية الرياض 4 شاهدةً على واحدة من أكثر صور معاناة المدارس العمومية وضوحًا.

بين جدرانها الاثني عشر التي تحتضن أكثر من قدرتها، تتنفس الأقسام التربوية الثمانية بصعوبة وسط اكتظاظ خانق يهدد جودة التعليم ويُنذر بمستقبلٍ دراسيٍّ غامض لمئات التلاميذ.

 أقسام محدودة وأعداد متزايدة

رغم أن المؤسسة تضم 12 حجرة دراسية فقط، فإنها تؤوي ثمانية أقسام تربوية تمتد من السنة الأولى إلى الرابعة، لكنّ كل مستوى منها يتكرر لتلبية التزايد السنوي الكبير في أعداد المسجلين.

في بداية كل عام دراسي، يتوافد مئات التلاميذ الجدد من أحياء الرياض والمناطق المجاورة، لينضموا إلى قوافل الراسبين في السنوات الماضية، ما جعل المؤسسة أشبه بـ”خزان بشري” يغلي تحت الضغط.

 اكتظاظ قاتل وضعف في المخرجات

بحسب المعطيات المتاحة، يبلغ متوسط عدد التلاميذ في القسم الواحد نحو 73 تلميذا، في حين أن السعة التربوية المثلى لا تتجاوز 40 طالبًا.

هذا الاكتظاظ — كما يؤكد مدرسون تحدثوا للموقع — انعكس سلبًا على مستوى التحصيل العلمي، إذ أصبح التركيز والمتابعة الفردية شبه مستحيلين، وتراجعت المخرجات الدراسية بشكل ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة، وذلك ما عكسته نسب النجاح في شهادة ختم الدروس الإعدادية في نسخته الأخيرة.

نقص الوسائل يزيد المعاناة

ولا يقف الأمر عند الاكتظاظ فحسب، إذ تعاني الإعدادية من نقص حاد في الطاولات والمقاعد، ما يدفع كثيرًا من التلاميذ إلى تقاسم المقعد الواحد بين ثلاثة، وأحيانًا الجلوس على الأرض لتلقي الدروس.

يقول أحد وكلاء التلاميذ في تصريح للموقع:

“نأتي بأبنائنا إلى المدرسة أملاً في تعليم جيد، لكننا نصدم بواقع صعب.. فكيف يمكن للطفل أن يتعلم وهو جالس على الأرض؟!”

ويضيف آخر:

“نطالب السلطات بتوسيع الإعدادية أو بناء فصول إضافية، وتزويدها بالطاولات والوسائل التربوية الضرورية. لا نريد وعودًا، نريد حلولاً عاجلة.”

الإدارة تطالب والجهات تصمت

مصدر من داخل المؤسسة أوضح للموقع أن الإدارة رفعت عدة تقارير وشكاوى إلى الجهات التربوية المختصة بشأن الوضعية، موثقة بالاكتظاظ ونقص الوسائل والمقاعد، غير أن الردّ ظلّ في حدود الوعود، دون أي تدخل عملي حتى الآن.

“طرقنا كل الأبواب ولم نرَ أي تحرك فعلي”، يقول المصدر، مضيفًا أن “استمرار هذا الوضع يهدد الموسم الدراسي برمّته”.

أصوات الأساتذة والتحذير من الانهيار

الطاقم التربوي بدوره يعاني من ضغط يومي متزايد، إذ يصعب ضبط عشرات التلاميذ داخل حجرة واحدة، ما يؤثر على الانضباط وعلى سير العملية التعليمية.

يؤكد أحد المدرسين أن “البيئة التعليمية في وضعها الحالي لا تشجع على التعلم، فالأستلذ يفقد القدرة على التواصل مع التلاميذ، والمستويات تتراجع عامًا بعد عام”.

وأضاف: الحل في إرفاد المؤسسة بعناصر بشرية جديدة، وتأثيث الأقسام الشاغرة، لتكون رئة المؤسسة التي تتنفس بها قبل أن تختنق.

مرآة لأزمة التعليم العمومي

تعكس وضعية إعدادية الرياض4 حالةً أوسع يعيشها التعليم العمومي في موريتانيا، حيث تعاني عشرات المؤسسات من نفس المشكلات: ضيق الفضاءات، الاكتظاظ، ونقص الوسائل البشرية والمادية.

ورغم الجهود المعلنة من وزارة التربية لإصلاح المنظومة، إلا أن الواقع الميداني يؤكد أن الطريق لا يزال طويلاً نحو تحقيق مدرسة جمهورية توفر تكافؤ الفرص وجودة التعليم لكل التلاميذ.

 نداء عاجل للإصلاح

بين أحلام التلاميذ وإمكانات المؤسسة فجوةٌ تتسع عامًا بعد عام. وإعدادية الرياض4 اليوم تحتاج إلى تدخل سريع وحلول بنيوية، حتى لا تتحول من فضاء للتعليم إلى مجرد مكان لتكديس الأعداد.

مدرسة مكتظة.. مستقبل مهدد!”

هكذا يصف الأهالي حال إعدادية الرياض 4، في انتظار أن تسمع الجهات الوصية هذا النداء قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى