ولد أحويمد: من ظلال “شمامة” إلى واجهة العمل المدني والسياسي بالرياض

يستضيف موقع الجنوبية الشاب الموريتاني أحمد الحسن أحويمد، أحد أبرز الوجوه المدنية الصاعدة في مقاطعة الرياض، والباحث في قضايا الانحراف والجريمة، ورئيس جمعية البصيرة للتنوير والتوعية الاجتماعية. في هذا الحوار الشامل، نتوقف معه عند رحلته الشخصية والفكرية، وتجاربه في المجتمع المدني، ورؤيته للسياسات العمومية، والمشهد السياسي، وتطلعات الشباب والثقافة في موريتانيا.
وهذا نص المقابلة:
1. بداية.. من هو أحمد الحسن أحويمد؟ وكيف تختصر رحلتك منذ النشأة؟
أشكر موقع الجنوبية على الاستضافة الكريمة..أنا شاب موريتاني من منطقة شمامة ببلدية لكصيبة 2، ولدت تحت شجرة في ظل ظروف اجتماعية صعبة، ونشأت في حضن جدتي بعد انفصال والديّ وأنا رضيع. أنتمي لأسرة فقيرة ما تزال — مثل كثير من الأسر الموريتانية — تطارد السياسات العمومية أملاً في العدالة والتكافؤ والنمو. هذه الخلفية شكلت وعيي المبكر وأثرت مسار حياتي اللاحق.
2. ما التجارب التي دفعتك نحو العمل المدني مبكرًا؟
شخصيتي وطموحي كانا عنصرين حاسمين. منذ طفولتي كنت أميل لملازمة الأكبر مني سنًا، وأجد إعجابًا كبيرًا بالأشخاص المؤثرين، كتلك الوجوه التي تظهر على التلفاز أو ترتدي “الكوستيم”. وجدت في المجتمع المدني فضاءً يحقق طموحي في التأثير والكلمة المسموعة والاعتبار الاجتماعي.
3. لماذا اخترت العلوم السياسية وتقنيات الأنشطة السوسيو-تربوية؟
كنت أطمح لدراسة الفلسفة، لكنها لم تكن من نصيبي بعد التوجيه الجامعي. فاخترت القانون، ثم تخصصت في العلوم السياسية لأني مهتم بالشأن العام والخطاب السياسي. أما دخولي المعهد العالي للشباب والرياضة فكان امتدادًا لاهتمامي بالشباب، إذ توفر تقنيات الأنشطة السوسيو-تربوية أدوات لفهم السلوك، والتعامل مع مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، واكتساب مهارات التواصل والتأطير.
4. ما أثر هذه التخصصات على رؤيتك للمجتمع والشباب؟
أتاحت لي فهمًا أعمق للمجتمع وخصوصياته الثقافية والسلوكية، كما منحتني أدوات لتقييم السياسات العمومية ومقارنتها بالسياسات الإقليمية والدولية. وساعدتني في إدراك حاجات الشباب وأساليب التعامل معهم.
5. ما موضوع بحث الماستر الذي تفكر فيه؟
أتابع ماستر القانون العام، وأميل حاليًا إلى تخصيص رسالتي لموضوع “التحكيم الدولي”، باعتباره مجالًا واعدًا ويحتاج لمزيد من البحث في السياق الوطني.
6. كيف أفادك التدريب العسكري والدراسة في ENA؟
التدريب العسكري محطة صعبة لكنها ملهمة. أكسبني صبرًا وانضباطًا وقوة نفسية، وزاد إحساسي بالمسؤولية والوطنية. أما الدراسة في المدرسة الوطنية للإدارة ففتحت أمامي آفاقًا معرفية ومهارية متنوعة.
7. متى بدأت رحلتك في المجتمع المدني؟
بدأت عام 2011 عند دخولي الإعدادية، حين انضممت لنادي الإبداع في الرياض 3. تقدمت سريعًا داخله: مقرر جلسات، ثم مسؤول ثقافة وإعلام، ثم رئيس النادي. ساهمت في تكوين جيل قيادي، وشاركت لاحقًا في تأسيس جمعيات شبابية وخيرية، وشغلت منصب مسؤول الشؤون الإدارية والمالية في فرع جمعية شبيبة بناء الوطن.
8. ما رسالة جمعية البصيرة التي ترأسها؟
أسست الجمعية عام 2022 بعد تراكم تجربة طويلة. رسالتها هي: “نحو وعي مدني شامل وتأهيل للشباب”.
ومن أبرز إنجازاتها:
تصميم مشروع بيئي نموذجي” مدرستي الخضراء” لم يجد طريقه للتنفيذ بسبب ضعف الإمكانيات المادية.
نيل المرتبة الأولى في أفضل المبادرات المدنية بالرياض
تنفيذ أنشطة تعليمية وثقافية بالشراكة مع عدد من المنظمات الوطنية.
تمثيل إقليمي ودولي في ملتقيات بمصر.
مبادرات بيئية ومجتمعية
ندوات حول المخدرات والانحراف وثقافة الحوار
أسهمت في نجاح عدد من الأنشطة الرسمية مثل الأسبوع الجهوي للثقافة والشباب والرياضة المدرسية.
9. ماذا تمثّل لك جائزة أفضل المبادرات الشبابية؟
هي مكسب للجمعية ولأعضائها، وتتويج لجهود ميدانية كبيرة.
10. كيف تصف العمل الشبابي في موريتانيا اليوم؟ ما أهم التحديات التي يواجهها الفاعلون الشباب؟
للأسف يشهد اليوم موجات من التمييع والجهل والإهمال، إضافة إلى عزوف كثير من الشباب عن التكوين والابتكار، وضعف ورخاوة السياسات الحكومية الموجهة لهم.
11. ما تقييمك لأداء المؤسسات الحكومية المعنية بالشباب؟ وهل تخدم فعلا تطلعاته؟
أداء وزارة الشباب شهد تحسنًا طفيفًا لكنه ما يزال محدودًا ولا يرقى لمستوى التطلعات، بمقارنة بحجم الميزانية المخصصة لها.
أما المجلس الوطني للشباب فخرج من مأموريته دون إنجاز يُذكر، بسبب غياب معايير الكفاءة في اختيار أعضائه.
وأرجو أن تكون الآلية الفنية، والأخرى التشاورية، المعلن عنها من طرف رئيس الجمهورية أكثر إنصافا للشباب الميداني، المواكب للمشهد الشبابي.
12. كيف تقيم المشهد الثقافي في موريتانيا؟
شهد تحسنًا ملحوظًا بفضل المهرجانات وتصنيف المعالم لدى اليونسكو. لكنه ما يزال بحاجة إلى إحياء حقيقي وصون التنوع الثقافي، وإلى مزيد من المواكبة الجادة.
فالثقافة وجود ذاتي ونمط سلوكي وذهني، كاشف عن المجتمعات مهما كانت مختلفة في العادات والتقاليد والقناعات.
13. شاركت في ملتقيات إقليمية ودولية بمصر..ماذا استفدت من مشاركاتك هذه؟
كانت مكسبًا كبيرًا مكّنني من التعرف على تجارب جديدة، وأساليب عمل مختلفة، وعززت مهارات القيادة والثقة والابتكار.
14. أين يقف الشباب الموريتاني مقارنة بغيره؟
يتأخر الشباب الموريتاني عن أقرانه في المنطقة من حيث التكوين والفرص. كثير منهم حبيس أفكار سلبية، لا يتقن لغة ولا يمتلك مهنة، ولا يبادر. وهذا مرتبط بالأمية وثقافة الاتكالية.
15. كيف توفق بين العمل المدني والالتزام الحزبي؟
لا أرى بينهما تعارضًا. فهما يشتركان في خدمة الصالح العام. أعمل سياسيًا في حزب جبهة المواطنة والعدالة في إطار احترام القانون، وأحرص أن لا يؤثر أحد المجالين سلبًا على الآخر.
العمل المدني هو الذي قادني للعمل السياسي الحزبي فالسياسة عمل مدني ديمقراطي يساعد على المعرفة والتكوين ويعلم القدرة على إدارة شؤون الناس، والعمل المدني يعلم حب الوطن. وحب الناس وخدمة الناس.ولهذا يكون الهدف واحد والأهم في الأمر أن يبقى كل واحد منهم يؤدي دوره في خدمة الصالح العام دون أن يؤثر تأثيرا سلبيا على الآخر، وما دام النشاط فيهما في حدود القانون لن يكون في ذلك تعارض.
16. ما دورك داخل أمانة الشباب بالحزب؟
أمانة الشباب لحزب جبهة المواطنة والعدالة “جمع” هي إحدى الهيئات الحزبية المسؤولة عن الشباب، وتعمل على تأطيره وتعبئته وتوعيته، ورفع كفاءته السياسية، وجعله يهتم بالشأن العام لوطنه ويلعب دوره فيه بشكل إيجابي وفعال. وأنا عضو فيها، أقوم بهذه المهام المذكورة، ومهام أخرى حسب الحاجة. وكما تعلمون، نحن في حزبٍ موالٍ وداعم لرئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني وبرنامجه الانتخابي، وقد قمتُ بالكثير في إطار دعم هذا المسار من خلال المقابلات والكتابات إبان الانتخابات الرئاسية.
17. كيف تقرأ المشهد السياسي والخدمي في مقاطعة الرياض؟
يظلّ المشهد السياسي في الرياض غامضًا إلى حين حلول موسم سياسي جديد؛ فالأحزاب الموالية تعيش تيارات وصراعات داخلية، بينما تواجه أحزاب المعارضة انسحابات واختلالات متواصلة. وأتوقع أن تشهد أول انتخابات قادمة تغيّرًا ملحوظًا، خصوصًا مع دخول أحزاب جديدة إلى الساحة، ما سيؤثر على المشهد المحلي الذي يزداد تعقيدًا. وقد يشارك الحزب الحاكم بقوة، غير أن خلافاته الداخلية قد تُضعف موقعه لصالح أحزاب أخرى.
أما المرافق الخدمية في المقاطعة فتعاني قصورًا واضحًا، بدءًا من صعوبات مركز استقبال المواطنين وضعف الإنترنت، وصولًا إلى ضعف أداء البلدية وإهمال مظهر المدينة والتنمية داخل الرياض. ويبقى حضور الشباب في المشهد المحلي ضعيفًا، رغم بروز مبادرات شبابية جديدة تبعث على الأمل في تحسين هذا الواقع، خصوصا مع افتتاح قسم جديد لحزبنا” جمع”.
18. بعد خوض في الثقافة والسياسية، بصفتك باحثا اجتماعيا، ما أبرز مؤشرات الخطر في قضايا الانحراف والجريمة؟
شكرا على السؤال؛ بصفتي مختصا في المجال، أرى من الضروري للدولة أن تنخرط في جهود وطنية شاملة وصادقة في مواجهة خطر المخدرات وانتشار استعمالها وفتح مراكز علاج للمدمنين ومن مؤشرات الخطر والتي ينبغي الانتباه لها من الدولة والمجتمع ما يلي :
انتشار المخدرات وحبوب الهلوسة
سوء التربية وإهمال الأطفال
غياب العلاج النفسي
بيئات أسرية مضطربة
التفكك الأخلاقي
الأمية وثقافة الفساد
19. ما أهم المهارات التي تحرص على نقلها للشباب؟
الثقة بالنفس، التفكير الإيجابي، مكاشفة الذات، القيادة، الخطابة، إدارة الوقت والمال، التحكم في الذات، لغة الجسد، الصمود، التفكير الإبداعي، التطوع، والشعور بالآخر.
20. ما رسالتك للشباب وصناع القرار والمجتمع؟
للشباب: أنتم المستقبل. تسلحوا بالمعرفة وقيم العمل، وتحرروا من الأفكار السلبية، وثقوا بالله ثم بقدراتكم.
لصُنّاع القرار: اتقوا الله في الوطن والشباب، وكونوا عادلين عقلاء.
للمجتمع: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا﴾… فالاتحاد سبيل النجاة.
بهذا نصل إلى ختام مقابلة غنية قدّم فيها أحمد الحسن أحويمد ملامح من تجربته الشخصية ومساره المدني والسياسي، ورؤيته لواقع الشباب والثقافة والتنمية في موريتانيا. تجربة تؤكد أن الإرادة تصنع طريقها مهما كانت الظروف، وأن الشباب قادر على إحداث الفرق حين يمتلك الوعي والإصرار.
#موقع_الجنوبية

